سورة يوسف - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


قوله عز وجل: {فلما جهزهم بجهازهم} وهو كيل الطعام لهم بعد إكرامهم وإعطائه بعيراً لأخيهم مثل ما أعطاهم.
{جعل السقاية في رحل أخيه} والسقاية والصواع واحد. قال ابن عباس. وكل شيء يشرب فيه فهو صواع، قال الشاعر:
نشرب الخمر بالصواع جهاراً *** وترى المتك بيننا مستعارا
قال قتادة: وكان إناء المتك الذي يشرب فيه.
واختلف في جنسه، فقال عكرمة كان من فضة، وقال عبد الرحمن بن زيد: كان من ذهب، وبه كال طعامهم مبالغة في إكرامهم.
وقال السدي: هو المكوك العادي الذي يلتقي طرفاه.
{ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون} أي نادى مناد فسمى النداء أذاناً لأنه إعلام كالأذان.
وفي {العير} وجهان:
أحدهما: أنها الرفقة.
الثاني: أنها الإبل المرحولة المركوبة، قاله أبو عبيدة.
فإن قيل: كيف استجاز يوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه لسرقهم وهم برآء، وهذه معصية؟
قيل عن هذه أربعة أجوبة:
أحدها: أنها معصية فعلها الكيال ولم يأمر بها يوسف.
الثاني: أن المنادي الذي كال حين فقد السقاية ظن أنهم سرقوها ولم يعلم بما فعله يوسف، فلم يكن عاصياً.
الثالث: أن النداء كان بأمر يوسف، وعنى بذلك سرقتهم ليوسف من أبيه، وذلك صدق.
الرابع: أنها كانت خطيئة من قبل يوسف فعاقبه الله عليها بأن قال القوم {إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل} يعنون يوسف. وذهب بعض من يقول بغوامض المعاني إلى أن معنى قوله {إنكم لسارقون} أي لعاقون لأبيكم في أمر أخيكم حيث أخذتموه منه وخنتموه فيه.
قوله عز وجل: {قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون} لأنهم استنكروا ما قذفوا به مع ثقتهم بأنفسهم فاستفهموا استفهام المبهوت.
{قالوا نفقد صواع الملك} والصواع واحد وحكى غالب الليثي عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ صوغ الملك بالغين معجمة، مأخوذ من الصياغة لأنه مصوغ من فضة أو ذهب وقيل من نحاس.
{ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} وهذه جعالة بذلت للواجد.
وفي حمل البعير وجهان:
أحدهما: حمل جمل، وهو قول الجمهور.
الثاني: حمل حمار، وهو لغة، قاله مجاهد.
واختلف في هذا البذل على قولين:
أحدهما: أن المنادي بذله عن نفسه لأنه قال {وأنا به زعيم} أي كفيل ضامن.
فإن قيل: فكيف ضمن حمل بعير وهو مجهول، وضمان المجهول لا يصح؟ قيل عنه جوابان:
أحدهما: أن حمل البعير قد كان عندهم معلوماً كالسوق فصح ضمانه.
الثاني: أنها جعالة وقد أجاز بعض الفقهاء فيها في الجهالة، ما لم يُجزْه في غيرها كما أجاز فيها ضمان ما لم يلزم، وإن منع منه في غيرها.


قوله عز وجل: {قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض} أي لنسرق، لأن السرقة من الفساد في الأرض. وإنما قالوا ذلك لهم لأنهم قد كانوا عرفوهم بالصلاح والعفاف. وقيل لأنهم ردّوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم، ومن يؤد الأمانة في غائب لا يقدم على سرقة مال حاضر.
{وما كنا سارقين} يحتمل وجهين:
أحدهما: ما كنا سارقين من غيركم فنسرق منكم.
والثاني: ما كنا سارقين لأمانتكم فنسرق غير أمانتكم. وهذا أشبه لأنهم أضافوا بذلك إلى عملهم.
قوله عز وجل: {قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين} أي ما عقوبة من سرق منكم إن كنتم كاذبين في أنكم لم تسرقوا منا.
{قالوا جزاؤه مَن وُجِدَ في رحلِه فهو جزاؤه} أي جزاء من سرق إن يُسْترق.
{كذلك نِجزي الظالمين} أي كذلك نفعل بالظالمين إذا سرقوا وكان هذا من دين يعقوب.
{فبدأ بأوعيتهم قبل وعاءِ أخيه} لتزول الريبة من قلوبهم لو بدئ بوعاء أخيه.
{ثم استخرجها من وعاء أخيه} قيل عنى السقاية فلذلك أنّث، وقيل عنى الصاع، وهو يذكر ويؤنث في قول الزجاج. {كذلك كدنا ليوسُف} فيه وجهان:
أحدهما: صنعنا ليوسف قاله الضحاك.
والثاني: دبّرنا ليوسف، قاله ابن عيسى.
{ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: في سلطان الملك، قاله ابن عباس.
والثاني: في قضاء الملك، قاله قتادة.
والثالث: في عادة الملك، قال ابن عيسى: ولم يكن في دين الملك استرقاق من سرق. قال الضحاك: وإنما كان يضاعف عليه الغرم.
{إلا أن يشاء الله} فيه وجهان:
أحدهما: إلا أن يشاء الله أن يُسْتَرق من سرق.
والثاني: إلا أن يشاء الله أن يجعل ليوسف عذراً فيما فعل.


قوله عز وجل: {قالوا إن يسرق فقد سَرَق أخ له من قبلُ} يعنون يوسف. وفي هذا القول منهم وجهان:
أحدهما: أنه عقوبة ليوسف أجراها الله تعالى على ألسنتهم، قاله عكرمة.
والثاني: ليتبرأوا بذلك من فعله لأنه ليس من أمهم وأنه إن سرق فقد جذبه عِرق أخيه السارق لأن في الاشتراك في الأنساب تشاكلاً في الأخلاق.
وفي السرقة التي نسبوا يوسف إليها خمسة أقاويل:
أحدها: أنه سرق صنماً كان لجده إلى أمه من فضة وذهب، وكسره وألقاه في الطريق فعيّروه بذلك، قاله سعيد بن جبير وقتادة.
الثاني: كان مع إخوته على طعام فنظر إلى عرق فخبأه، فعيّروه بذلك، قاله عطية العوفي.
الثالث: أنه كان يسرق من طعام المائدة للمساكين، حكاه ابن عيسى.
الرابع: أن عمته وكانت أكبر ولد إسحاق وإليها صارت منطقة إسحاق لأنها كانت في الكبير من ولده، وكانت تكفل يوسف، فلما أراد يعقوب أخذه منها جعلت المنطقة، واتهمته فأخذتها منه، فصارت في حكمهم أحق به، فكان ذلك منها لشدة ميلها وحبها له، قاله مجاهد.
الخامس: أنهم كذبوا عليه فيما نسبوه إليه، قاله الحسن.
{فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم} فيه وجهان:
أحدهما: أنه أسر في نفسه قولهم {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} قاله ابن شجرة وعلي بن عيسى.
الثاني: أسر في نفسه {أنتُمْ شَرٌّ مكاناً} الآية، قاله ابن عباس وابن إسحاق. وفي قوله: {قال أنتم شر مكاناً} وجهان:
أحدهما: أنتم شر منزلة عند الله ممن نسبتموه إلى هذه السرقة.
الثاني: أنتم شر صنعاً لما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم.
وفي قوله تعالى: {والله أعلم بما تصفون} تأويلان:
أحدهما: بما تقولون، قاله مجاهد.
الثاني: بما تكذبون، قاله قتادة.
وحكى بعض المفسرين أنهم لما دخلوا عليه دعا بالصواع فنقره ثم أدناه من أذنه ثم قال: إن صواعي هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلاً وأنكم انطلقتم بأخٍ لكم فبِعْتموه، فلما سمعها بنيامين قام وسجد ليوسف وقال أيها الملك سلْ صواعك هذا عن أخي أحيّ هو أم هالك؟ فنقره، ثم قال: هو حي وسوف تراه. قال: فاصنع بي ما شئت، فإنه إن علم بي سينقذني. قال: فدخل يوسف فبكى ثم توضأ وخرج، فقال بنيامين: افقر صواعك ليخبرك بالذي سرقه فجعله في رحلي، فنقره، فقال: صواعي هذا غضبان وهو يقول: كيف تسألني عن صاحبي وقد رأيت مع من كنت.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14